اكتظّت الأشهر الأخيرة بالشائعات والمؤتمرات، وسمعنا الكثير من الأخبار عن المُنتجات الجديدة التي تستعد كُبرى الشركات التقنية مثل مايكروسوفت، وآبل، وجوجل بالكشف عنها.
بدأ شهر سبتمبر/أيلول بمؤتمر لشركة آبل، وعقدت جوجل مؤتمرها مع نهاية نفس الشهر، لتُنهي مايكروسوفت هذه الفترة بمؤتمرها الذي عقدته قبل أيام قليلة في بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
آبل كشفت عن حاسبها اللوحي الجديد – آيباد برو iPad Pro – الموجه للأعمال الاحترافية بشكل كبير، والذي يُمكن اعتباره حاسب لوحي ومحمول في نفس الوقت بعد وصله بلوحة مفاتيح، إلا أن الاعتماد على نظام iOS وليس نظام ماك من الأمور التي جعلته يبقى تحت تصنيف الحواسب اللوحية.
جوجل هي الأُخرى أدلت بدلوها وكشفت عن حاسبها اللوحي Pixel C الذي يعمل هو الآخر بنظام أندرويد الموجه أساسًا للأجهزة الذكية وليس للحواسب، وبالتالي هو حاسب لوحي آخر لعشاق نظام أندرويد.
ولا يُمكن التقليل من أهمية نظامي iOS أو أندرويد، ولا حتى من قوّتهم، خصوصًا مع تعاون جوجل وآبل مع شركات مثل مايكروسوفت وأدوبي لتوفير تطبيقات تستفيد من الشاشات التي تعمل باللمس وتقديم تجربة استخدام مُميّزة، وهو ما سيبرع جميع الأطراف بالقيام به دون أدنى شك.
مايكروسوفت أخيرًا وضعت قدمها الثانية في السوق التقني من جديد، بعدما وضعت الأولى مع إطلاق نظام ويندوز 10 الذي بلغ عدد مُستخدميه حتى الآن 110 مليون مُستخدم حول العالم. ومع إطلاق حاسبها اللوحي الجديد سيرفس برو 4، وحاسبها المحمول الأول سيرفس بوك Surface Book، يُمكن أن نقول أن مايكروسوفت تقف باستقامة من جديد، بعدما انحنت لفترة من الزمن، وأرى شخصيًا أن ستيف بالمر الرئيس التنفيذي السابق كان السبب وراء ذلك.
ميّزة مُنتجات مايكروسوفت الجديدة هي توحيد تجربة الاستخدام، ويندوز 10، النظام الذي سيُغيّر بشكل كبير مستقبل الشركة خصوصًا أن التطبيقات الشاملة ستدعم جميع الأجهزة التي تستخدم هذا النظام، فضلًا عن إطلاق جهاز Continuum الذي يسمح بتحويل الهاتف إلى حاسب بقدرات مقبولة جدًا للتحكم بشكل أوسع بالمحتوى.
المُميّز في هذه الفترة هو وجود أكثر من شركة مرموقة فيه، فجوجل، ومايكروسوفت، وآبل تُعتبر من الشركات التقنية الرائدة التي تطمح لجعل العالم مكانًا أفضل للعيش من خلال منتجاتهم التقنية الرائدة.
شخصيًا وأكثر ما أعجبني بعد الإعلان عن الأجهزة الجديدة هو التخلّص من سياسة المُنافسة الرخيصة التي تعتمد على السعر كعامل لتسويق الجهاز. فلمنافسة هواتف آيفون، تتبع بعض الشركات الصينية مبدأ توفير الأجهزة بأسعار خيالية جدًا وبمواصفات جيّدة جدًا، على الورق، لكن ما أن تستخدم الجهاز لفترة 6 أشهر على الأكثر حتى تجد الفرق في الأداء والمشاكل التي لا حصر لها، والتي غالبًا ما نُعلّقها على نظام أندرويد ونلومه أولًا، دون أن نلوم الشركة المُصنّعة التي لم توظف النظام مع العتاد بشكل جيّد.
لكن جوجل وبإعتبارها من الشركات الرائدة في هذا المجال لم تنتهج هذا الأسلوب في مُعظم أجهزتها، وحاولت دائمًا تقديم أجهزتها بأسعار مُتقاربة جدًا في بعض الأوقات من أسعار هواتف آيفون التي اعتبرت لفترة طويلة الأغلى.
وبعد الكشف عن أسعار حواسب مايكروسوفت الجديدة، نجد أن الشركة انتهجت سياسة جوجل وآبل أيضًا، واستخدمت تقريبًا مبدأ التسويق بالقيمة، مع تقديم أجهزة جيّدة جدًا من ناحية المواصفات مع انتظار صدورها رسميًا للحكم على الأداء.
بالإطلاع على حاسب سيرفس برو 4 اللوحي، نجد أنه بنفس سعر أو ارخص بـ 100$ من حواسب ماك بوك وماك بوك إير التي تأتي بنفس المواصفات التقنية ونفس قياس الشاشة تقريبًا، وهي الأجهزة التي قررت مايكروسوفت مُقارنة حاسبها اللوحي الجديد بها.
وعلى الصعيد الآخر نجد أن حاسب سيرفس بوك الجديد قدّم ميّزت ومواصفات تضمن أداء عالي جدًا، لكن مايكروسوفت ركّزت على القيمة، مُدركةً أن المُستخدم المُحترف مُستعد لدفع أي مبلغ للحصول على جهاز يسمح له بمعالجة مقاطع الفيديو والرسوميات عالية الدقة بكل سهولة.
أسعار سيرفس بوك تبدأ من 1499$ دولار أمريكي، بينما تبدأ أسعار حواسب ماك بوك برو بنفس المواصفات تقريبًا من 1299$ وتصل حتى 1599$ حسب تفضيل المُستخدم. أما الحد الأقصى لسعر سيرفس بوك فهو 2699$ مُقابل 2199$ لماك بوك برو وبالتالي تتخطى مايكروسوفت آبل بفارق كبير.
نجد أن مايكروسوفت لم تتراجع عن خطوتها في الحواسب المحمولة لمجرد أن رؤيتها وأسعارها الأغلى في السوق، فهدفها الأول تقديم مُنتج يفخر المُستخدم بحمله، تمامًا مثلما هو حال آبل، وبالتالي يُمكن اعتبار أنه الشكل الأمثل للمُنافسة التقنية الراقية بعد سنوات طويلة من المُنافسة التقنية الرخيصة.
بالتأكيد تلبية احتياجات السوق من الأمور التي يجب على الشركات العمل عليها، والشركة الأذكى هي التي تكسب شريحة أكبر وهذا حقها المشروع، لكن مُعاملة الزبون على أنه مُجرّد سلعة أُخرى دون تقديم قيمة داخل المُنتج هو من أسوء الأشياء التي يُمكن أن تحصل للتقنية، والتي يُمكن أن تقضي على جمالية هذا العالم الذي حوّل الكثير من التخيّلات إلى واقع ملموس.
في النهاية، ما قرأته في الأعلى يأتي من أحد الذين عزفوا عن استخدام منتجات مايكروسوفت منذ عام 2007 وتحديدًا بعد استخدام ويندوز فيزتا لفترة من الزمن، حيث انتقلت لاستخدام لينكس حتى عام 2010، بعدها انتقلت لاستخدام حواسب ماك بوك حتى هذه اللحظة، وبالتالي ليس هناك تعصّب ضد أو مع أي من الشركات المذكورة في الأعلى، فالحيادية مطلوبة لرؤية المشهد التقني الجميل بشكل كامل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق