يُعتبر قسم الأبحاث والتطوير Research & Development أو ما يُعرف اختصارًا بـ R & D من أهم الأقسام في الشركات العالمية الكُبرى وتحديدًا التقنية منها. فداخل هذا القسم تبدأ الأفكار وتوضع الخطوات المُستقبلية التي ستسير عليها الشركة خلال السنوات القادمة.
آبل واحدة من الشركات التقنية الرائدة، وهذه معلومة لا يختلف عليها اثنان، فالشركة كانت من أوائل الشركات التي قدّمت شاشات تدعم اللمس بالإصبع بعد سنوات من الاعتماد على الأقلام الضوئية، كما ابتكرت خاصيّة اللمس ثُلاثي الأبعاد الذي يتعرّف على قوة الضغط على الشاشة لتُضيف بذلك بُعدًا جديدًا في طريقة التعامل مع الأجهزة الذكية.
وبعيدًا عن جميع ما قدمته الشركة، إلا أن Bloomberg العالمية قدّمت مؤخرًا تقريرًا فاجئ الكثير من المُراقبين، حيث ذكر التقرير أن آبل تُنفق فقط 3.5% من عائداتها على قسم الـ R & D، وهي نسبة متواضعة جدًا إذا ما قُورنت بنسبة جوجل التي تُنفق 15%، كوالكوم التي تُنفق 22%، وأخيرًا فيس بوك التي تُنفق 21%.
هذه النسب بعد تحويلها إلى أرقام مالية تعني أن آبل تُنفق سنويًا ما يُعادل 8.1 مليار دولار أمريكي، وهي تُمثّل 3.5% من عائداتها السنوية، وبالتالي على الرغم من صغر النسبة، إلا أن القيمة المالية عالية جدًا، وهو رقم ليس صغير في العالم التقني.
لكن السؤال المطروح، كيف يُمكن لآبل أن تنفق 3.5% فقط من عائداتها في التطوير والأبحاث، لكنها ما تزال في السباق على القمّة، وتُعتبر الشركة الأعلى قيمة في الولايات المُتحدة الأمريكية ؟
الإجابة على هذا السؤال تعتمد على الكثير من العوامل، فالشركة تمتلك بالفعل مُختبرات وأقسام للتصميم الصناعي تُدهش العالم كل فترة بأحدث التقنيات وطريقة التعامل مع التفاصيل لتوفير مُنتج ليس له مماثل من ناحية قابلية الاستخدام.
لكن إلى جانب ذلك، فالكثير من الشركات العالمية تتنافس فيما بينها لكسب ود آبل والحصول على فرصة لتصنيع مُعالج، شاشة، أو حتى غطاء لأحد أجهزتها، وهو ما يُجبر هذه الشركات على البحث والتطوير بشكل دائم مُوفرة على آبل عناء هذه العملية، وإن تدخلت آبل، فهي تتدخل في التفاصيل الصناعية إضافة إلى التصميم فقط، وهذا
الكلام لا ينطبق على جميع التقنيات أو الأجهزة، فالكثير من تقنيات أجهزة آبل يتم تصميمها وتطويرها داخل مُختبرات آبل، لكن مهمة تصنيعها توكل إلى جهة خارجية بسبب امتلاكها قوّة إنتاجية عالية.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، حصلت آبل على براءة اختراع اللمس ثُلاثي الأبعاد، وقامت بتصميم النظام وآلية عمله، لكن الشركات الصينية تنافست فيما بينها لتنفيذ هذه التصاميم وتحويلها إلى مُنتج يُمكن استخدامه داخل هواتف آيفون.
ومن العوامل التي تدفع آبل لصرف 3.5% فقط من عائداتها السنوية على الأبحاث والتطوير هو تخصص الشركة في مجالات محدودة لا ترغب بالخروج عنها. فشركات مثل جوجل أو فيس بوك تُطوّر مشاريع مُختلفة بعيدة عن تخصصها الأساسي مثل مناطيد أو طائرات دون طيار لإيصال الإنترنت للمناطق التي لا تحتوي على إنترنت في العالم، أو تطوير سيارة ذاتية القيادة، وهي خطوة أقدمت عليها آبل لكن بالتعاون مع شركة مُتخصصة بهذا المجال وهي شركة تيسلا Tesla المُصنّعة للسيارات التي تعمل بالطاقة الكهربائية، على عكس جوجل التي أنشأت المختبرات اللازمة ووظفت المُهندسين المُناسبين للعمل على المشروع تحت قيادتها ودون وجود أي طرف خارجي.
الآن وبالعودة إلى الأرقام المالية من جديد نجد أن 8.1 مليار دولار أمريكي هو رقم صغير أمام مجموع عائداتها الذي يبلغ 233 مليار دولار. أما جوجل التي يبلغ مجموع عائداتها 66 مليار، فهي تصرف 9.2 مليار دولار لتتجاوز بذلك آبل من ناحية القيمة المالية للإنفاق على التطوير، متبوعة بـ 5.6 مليار دولار من كوالكوم بعائدات سنوية تتجاوز الـ 25 مليار، وفيس بوك التي تُنفق 2.6 مليار فقط لكن مجموع عائداتها صغير مُقارنة بالبقية ويبلغ 12 مليار.
عندما تتم مُقارنة هذه الأرقام فيما بينها نجد أنها صغيرة، لكن على أرض الواقع هي أرقام كبيرة جدًا، تعكس حجم الاستمثارات التي تُنفق سنويًا للوصول إلى القمة في مُختلف المجالات، وهي سياسة يجب أن تحتذي بها الكثير من الشركات، فبدون استثمار داخلي وتوجيه العمل من أجل الربح فقط، لن تستطيع الشركة الوصول للقمة، ولنا في مشاريع Google Fiber وProject Loon من جوجل خير مُثال، فهي مشاريع لا تدر أرباحًا للشركة حتى اللحظة، لكن حجم الاستثمارات فيها عالي، ولا تتوانى جوجل أبدًا عن دعمها ماديًا بشكل دائم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق